سلوكيات ألعاب الفيديو بين الشباب وتأثيرها على الصحة العامة.

كيف تشكل ألعاب الفيديو سلوك الشباب؟

في عصرنا الحالي، أصبحت ألعاب الفيديو جزءًا لا يتجزأ من حياة الشباب، حيث يُنظر إليها ليس فقط كوسيلة ترفيهية، ولكن أيضًا كظاهرة ثقافية تؤثر على الصحة النفسية والسلوك الاجتماعي. مع التطور السريع للتكنولوجيا وزيادة الإقبال على الألعاب الرقمية، خصوصًا بعد جائحة كوفيد-19، برزت العديد من التساؤلات حول تأثير هذه الألعاب على الصحة العامة، ومدى انتشار الإدمان عليها، وأهمية فهم العوامل التي تؤثر في سلوكيات اللاعبين.

تعريف ألعاب الفيديو وتأثيرها على السلوك:

يُشير مصطلح “ألعاب الفيديو” إلى مجموعة واسعة من الألعاب التي تُلعب عبر منصات مختلفة، مثل أجهزة الكمبيوتر، وأجهزة الكونسول مثل بلاي ستيشن وإكس بوكس، بالإضافة إلى الهواتف الذكية. بينما تُعتبر الألعاب مصدرًا هامًا للتفاعل الاجتماعي، إلا أن الاستخدام المفرط لها قد يؤدي إلى مشكلات سلوكية ونفسية.

وفقًا لتعريف منظمة الصحة العالمية، فإن اضطراب الألعاب يُعرف بأنه نمط من السلوك المستمر أو المتكرر في ممارسة الألعاب الرقمية أو ألعاب الفيديو، بحيث يصبح هذا السلوك أولوية على حساب الأنشطة الحياتية الأخرى، مما يؤدي إلى تدهور في الأداء الاجتماعي والمهني والتعليم.
يتطلب تشخيص هذا الاضطراب استمرار الأعراض لمدة عام على الأقل، مع تأثير واضح على الحياة اليومية.

انتشار ظاهرة ألعاب الفيديو:

تشير الإحصائيات إلى أن ألعاب الفيديو هي الأكثر شيوعًا بين المراهقين والشباب، خصوصًا في الفئة العمرية بين 18-34 عامًا. على سبيل المثال، في كوريا الجنوبية، ارتفع معدل الوقت الذي يقضيه اللاعبون في الألعاب من خمس ساعات أسبوعيًا في عام 2011 إلى سبع ساعات في 2017. كما أن انتشار الألعاب تضاعف عالميًا بعد جائحة كوفيد-19، حيث أظهرت دراسة أن 17% من الأشخاص الذين لم يكونوا لاعبين سابقًا أصبحوا يقضون أكثر من 20 ساعة أسبوعيًا في اللعب خلال فترة الإغلاق الصحي.

فيما يتعلق بالإدمان على الألعاب، فإن معدلات انتشار هذا السلوك تختلف من بلد إلى آخر:

  • 10% من الشباب في الصين يعانون من إدمان الألعاب
  • 3% في ألمانيا
  • 4% في كوريا الجنوبية
  • في المملكة العربية السعودية، وجدت دراسة أجريت في منطقة القصيم أن 64% من المشاركين الذين تتراوح أعمارهم بين 10-19 عامًا يقضون أكثر من ثلاث ساعات يوميًا أمام الشاشات، بينما يعاني 5% منهم من الإدمان على الألعاب.

السياسات والضوابط حول ألعاب الفيديو:

  • السياسات العالمية:

في العديد من الدول، يتم تنظيم ألعاب الفيديو من خلال أنظمة تصنيف عمرية مثل ESRB في الولايات المتحدة وكندا، وPEGI في أوروبا. ومع ذلك، فإن بعض الدول، مثل الصين، بدأت بوضع قيود صارمة للحد من إدمان الألعاب بين الأطفال والمراهقين، مثل تحديد عدد الساعات المسموح بها يوميًا.

  • السياسات الوطنية في السعودية:

في المملكة العربية السعودية، استثمر صندوق الاستثمارات العامة 3.3 مليار دولار في قطاع الألعاب، مما يعكس أهمية هذه الصناعة اقتصاديًا. ومع ذلك، لا تزال السياسات المحلية فيما يتعلق بالحد من الإدمان على الألعاب قيد التطوير، حيث تقتصر معظم اللوائح الحالية على مراقبة مبيعات الألعاب في الأسواق المحلية دون تنظيم الاستخدام عبر الإنترنت.

تأثير ألعاب الفيديو على الأفراد والمجتمع

  • التأثير النفسي والاجتماعي:
  • أظهرت العديد من الدراسات أن الإفراط في لعب ألعاب الفيديو يمكن أن يؤدي إلى انخفاض الكفاءة الذاتية، وزيادة مستويات القلق والاكتئاب، والتأثير السلبي على الأداء الأكاديمي والعلاقات الاجتماعية:
  • كما وجدت دراسة أن اللاعبين الذين يقضون وقتًا طويلاً في الألعاب يعانون من مشاكل في التعامل مع الواقع، مما قد يؤدي إلى العزلة الاجتماعية.
  • التأثير على الصحة الجسدية:

بينما يُنظر إلى بعض الألعاب على أنها تُحسن التنسيق بين اليد والعين، إلا أن الاستخدام المفرط يمكن أن يسبب مشكلات صحية مثل آلام الرقبة والكتفين، ومشاكل بصرية، واضطرابات في النوم.
وجدت دراسة أجريت في تركيا أن الأشخاص الذين يلعبون لأكثر من ساعتين يوميًا يعانون من مشاكل في جودة النوم مقارنة بأولئك الذين يلعبون لفترات أقل.

  • التأثير على العلاقات الأسرية:

تشير بعض الدراسات إلى أن الألعاب الجماعية قد تعزز الروابط الأسرية إذا تم ممارستها بشكل متوازن، بينما قد تؤدي الألعاب الفردية إلى التأثير السلبي على العلاقات العائلية، حيث يميل اللاعبون المدمنون إلى الانعزال عن أفراد أسرهم.

التكلفة الاقتصادية للألعاب:

مع تطور سوق الألعاب، ازداد الإنفاق العالمي عليها بشكل كبير. على سبيل المثال، بلغ إنفاق المستهلكين على الألعاب في الولايات المتحدة 56.9 مليار دولار في عام 2020، بزيادة 27% عن العام السابق. في منطقة الشرق الأوسط، ازداد حجم سوق الألعاب بنسبة 15% في عام 2020، حيث شكلت السعودية أكثر من 20% من إجمالي الإنفاق الإقليمي.

ألعاب الفيديو والصحة العامة: بين المخاطر والفوائد:

رغم أن ألعاب الفيديو قد تكون ضارة عند استخدامها بشكل مفرط، إلا أنها تحمل بعض الفوائد التي يجب الإشارة إليها، ومنها:

  • تحفيز النشاط البدني:

أشارت دراسة إلى أن الأشخاص الذين يمارسون ألعاب الفيديو الرياضية يكون لديهم دافع أكبر لممارسة الرياضة في الحياة الواقعية.

  • تحسين الإدراك والانتباه:

. أظهرت دراسة أن اللاعبين يتمتعون بمستويات أعلى من التركيز والانتباه مقارنة بغيرهم

  • تعزيز المهارات الاجتماعية:

بعض الألعاب الجماعية تُساعد في تطوير مهارات العمل الجماعي والتفاعل الاجتماعي.

في المقابل، فإن المخاطر تشمل:

  • زيادة معدلات القلق والاكتئاب بين المدمنين على الألعاب.
  • تأثير سلبي على جودة النوم، مما يؤدي إلى الإرهاق المزمن.
  • الانعزال الاجتماعي، خاصة مع الألعاب الفردية.
  • نحو استخدام مسؤول للألعاب الرقمية.

مع استمرار نمو صناعة الألعاب، من الضروري تطوير سياسات واستراتيجيات تساعد في تقليل مخاطر الإدمان وتعزيز الاستخدام المسؤول للألعاب. يمكن تحقيق ذلك من خلال:

  • رفع مستوى الوعي بين الشباب وأولياء الأمور حول تأثير الألعاب على الصحة النفسية والجسدية، وتقديم إرشادات واضحة حول الاستخدام المتوازن للألعاب.
  • تبني استراتيجيات توجيهية تساعد اللاعبين على تنظيم وقتهم بدلًا من فرض قيود صارمة، مثل وضع توصيات مرنة حول فترات اللعب والاستراحات المناسبة.
  • تشجيع المطورين على دمج ميزات تساعد اللاعبين في تتبع وقت اللعب وتعزيز فترات الراحة، كما هو الحال في بعض الألعاب الحديثة.
  • تعزيز دور الأبحاث المحلية في دراسة تأثير الألعاب الرقمية على الشباب في المملكة العربية السعودية، لتقديم إرشادات قائمة على الأدلة العلمية.

يُعتبر الإرشاد أكثر فاعلية من المنع، حيث يمنح اللاعبين حرية اتخاذ قرارات واعية حول سلوكياتهم الرقمية، مما يساهم في خلق بيئة لعب مستدامة ومسؤولة.

Yazeed AlMuhaidi
Yazeed AlMuhaidi

باحث دكتوراه في الصحة العامة، متخصص في التعزيز الصحي و العلوم السلوكية. يركز على استراتيجيات معززة للصحة تتناسب مع السياقات الثقافية، ويشارك عبر هذه المدونة رؤى علمية حول تغيير السلوك واتجاهات الصحة العامة وطرق تعزيز صحة المجتمع.

المقالات: 11
arالعربية